الامام الخميني (رض) في ثورته الاسلامية، تلك الثورة كان لها علاقة بالصحيفة السجادية، و لأن الامام الخميني (رض) هو من نسق الامام السجاد عليه السلام و ليس من نسق السلاطين.

 

*السيد ابراهيم أمين السيد

مقدمة

في الحقيقة ‌لا‌ نستطيع أن نفصل الصحيفة السجادية عن سياقها السياسي ‌و‌ سياقها التاريخي حيث جاءت في مرحلة ‌ما‌ بعد استشهاد الامام الحسين عليه السلام، هذا الاستشهاد الذي نري فيه مصيبة كبري، ‌و‌ لكن يجب أن نفكر جليا ‌و‌ دقيقا أن ‌ما‌ جري في كربلاء، ‌و‌ أدي الي أن يستشهد سيد شباب أهل الجنة ‌و‌ ريحانة رسول الله (ص) ‌و‌ ابن فاطمة عليهاالسلام، ‌و‌ أهل بيته ‌و‌ أصحابه، ‌و‌ تسبي نساؤه ‌و‌ تحرق خيمه.

السؤال الأساسي الذي يجب أن نفكر فيه:

ما ‌هو‌ الهدف الذي ‌هو‌ أكبر ‌من‌ استشهاد الامام الحسين عليه السلام حتي استشهد الامام ‌من‌ أجله؟

ما ‌هو‌ المشروع الذي ‌من‌ أجله كان هذا الاستشهاد الكبير؟

و ‌ما‌ ‌هو‌ الخطر الكبير الذي واجه الامة حينذاك حتي كان المواجهة بأن يستشهد سيد شباب أهل الجنة؟ هذا أمر كبير ‌و‌ عظيم قد حصل، ‌و‌ هنا أريد أن أحدد أمرين في هذا الموضوع:

الأمر الأول: ‌ان‌ التطور السياسي السلبي الذي حصل أوصل الأمور ليس الي ‌حد‌ يمكن التعايش فيه ‌ما‌ بين ‌خط‌ الانحراف ‌و‌ ‌خط‌ الاسلام، بل الي ‌حد‌ اما الاسلام ‌و‌ اما الانحراف، فكانت الخيارات اما الاستشهاد ‌و‌ اما البيعة، ‌و‌ البيعة كانت الاندماج الكامل في مشروع الظلم العام.

الامام الحسين عليه السلام رفض ذلك اذ قال: (ألا ‌و‌ ‌ان‌ الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة ‌و‌ الذلة ‌و‌ هيهات منا الذلة).

ان كان المشروع ‌هو‌ الانتقال بالمفهوم السياسي للاسلام ‌من‌ النبود ‌و‌ الامامة الي الملك ‌و‌ السلطان الدنيوي، فهذا يعني ممنوع أن يبقي أحد في المجتمع يمثل مرجعية الاسلام غير هذه السلطة، لذلك الامام الحسين عليه السلام كان يقول: (انا أهل بيت النبوة ‌و‌ موضع الرسالة ‌و‌ مختلف الملائكة ‌و‌ مهبط الوحي ‌و‌ التنزيل، ‌و‌ مثلي ‌لا‌ يبايع مثل يزيد). اذا الموضوع هو: هل يبقي ‌خط‌ النبوة، أولا يبقي؟؟

فالاستشهاد كان ‌من‌ أجل بقاء ‌خط‌ النبوة، أي ‌من‌ أجل بقاء ‌خط‌ الاسلام، ‌و‌ تعاليم الاسلام، ‌و‌ تعاليم ‌و‌ أخلاق ‌و‌ أحكام ‌و‌ مفاهيم القرآن. فعلي مستوي موازين الغلبة العسكرية كانت الغلبة ليزيد، ‌و‌ لكن بمستوي موازين النصر ‌و‌ الهزيمة نعرف الآن هل انتصر الامام الحسين عليه السلام أم لم ينتصر؟

هنا أريد أن أقول: ‌ان‌ الامام السجاد عليه السلام كان مريضا في كربلاء ‌و‌ لم يقتل، ‌و‌ ذلك ‌من‌ لطف الله ‌و‌ ارادته، فالذين تجرؤوا علي قتل الامام الحسين عليه السلام ‌و‌ انتهاك حرمته، ‌لا‌ يقف أمامهم حرمة قتل مريض في كربلاء، لكن ارادة الله شاءت أن يبقي الامام السجاد عليه السلام علي قيد الحياة، ‌و‌ ‌هو‌ دليل علي أنه حجة الله...

الأمر الثاني: ‌ان‌ المرحلة التي حولت ‌دم‌ الحسين عليه السلام الي الانتصار ‌و‌ أثبتت وجود الاسلام، أثبتت ‌ان‌ الاسلام بعد الحسين ‌هو‌ أقوي ‌من‌ الاسلام قبل الحسين عليه السلام.

الصحيفة السجادية هنا هي الشاهد علي وجود الاسلام بعد أن قتل الحسين عليه السلام، فهي الهمزة التي أوصلت الدم بالنصر.

ان الصحيفة السجادية هي الوثيقة الثابتة التي أكدت امامة الامام السجاد عليه السلام ‌و‌ هي مناجاة الامام السجاد لله سبحانه ‌و‌ تعالي، ‌و‌ هي عبادته ‌و‌ سجوده ‌و‌ طاعته، ‌و‌ هي التبتل، ‌و‌ هي العروج الي الله.

نحن ندعو الله سبحانه ‌و‌ تعالي بالأدعية التي كان يدعو بها الامام السجاد عليه السلام في الصحيفة السجادية، ‌و‌ غيرها ‌من‌ الأدعية المنقولة عن الأئمة عليهم السلام، ‌و‌ هي أدعية مناجاة لله... ‌و‌ ليست تأليفا انشائيا... ‌و‌ هي ‌من‌ أهم الدلالات علي أنهم حجج الله...

المعارف الاسلامية في الصحيفة السجادية صيغت بالدعاء، ‌و‌ السؤال ‌ما‌ ‌هو‌ مبرر ذلك؟ لماذا لم تعط المعارف الاسلامية كما أعطاها بقية الأئمة بالشكل المعتاد؟ لماذا أعطيت علي شكل دعاء؟ ألا يشير هذا الأمر الي الظروف السياسية التي سادت بعد استشهاد الامام الحسين عليه السلام، ألا يعني ذلك أن الصحيفة السجادية هي ‌ما‌ أمكن أن يعطيه الامام زين العابدين عليه السلام للأمة ‌من‌ معارف الاسلام دون أن يتمكن السلطان الظالم ‌من‌ أن يراقب هذه المعارف.

الأمر الآخر علي المستوي السياسي أيضا، أن هذه الصحيفة السجادية ليست دعاء للمهزومين، ‌و‌ ليست دعاء للضعفاء، ‌و‌ ليست دعاء للزاهدين في الدنيا، هذه الصحيفة هي دعاء المجاهدين.... هي كلمات المجاهدين ‌و‌ مناجاة المجاهدين، هي روحهم، هي مشروعهم الذي ‌هو‌ ‌خط‌ النبوة ‌و‌ ‌خط‌ الاسلام ‌و‌ اقامة العدل الالهي في العالم، هذا ‌هو‌ المشروع.

الامام الخميني (رض) في ثورته الاسلامية، تلك الثورة كان لها علاقة بالصحيفة السجادية، ‌و‌ لأن الامام الخميني (رض) ‌هو‌ ‌من‌ نسق الامام السجاد عليه السلام ‌و‌ ليس ‌من‌ نسق السلاطين، ‌و‌ ليس ‌من‌ نسق الحكام، الامام قرب الينا صورة أولئك المناجين لله سبحانه ‌و‌ تعالي، ‌و‌ قرب الينا صورة المعصومين أيضا.

فالذي حققه الامام الخميني رضوان الله عليه، أساسه ‌و‌ جوهره ‌هو‌ عالم المعنويات ‌و‌ الأخلاقيات، جوهره ‌هو‌ نسق الصحيفة السجادة، ‌و‌ الذي انتصر في العالم ‌من‌ خلال الامام الخميني (رض) ‌هو‌ الايمان ‌و‌ المعنويات ‌و‌ الأخلاقيات، ‌و‌ العالم ينظر الي الامام ‌من‌ خلال هذا المنظار، ‌و‌ ‌لا‌ ينظر اليه فقط ‌من‌ خلال منظار سياسي أو اقتصادي أو سلطوي.

نحن كأمة اسلامية نعيش في قلب الصراع ‌و‌ في عمق الصراع، ‌من‌ هناك ‌من‌ الجمهورية الاسلامية الايرانية الي سوريا الي لبنان ‌و‌ الي فلسطين، هذه المواقع أنا أسأل: ‌ما‌ ‌هو‌ الدافع ‌و‌ ‌ما‌ هي العناصر ‌و‌ العوامل التي تجعل انسانا شابا بعمر العشرين سنة، ‌و‌ الخمس ‌و‌ العشرين سنة، ‌من‌ الذي يستطيع أن يجعل هذا الانسان ينطلق ليقوم بعمليات استشهادية مبتسما؟ أية ثقافة؟ ‌و‌ أي فكر؟ ‌و‌ أية دعوة؟ أنا ‌لا‌ أتحدث عن التاريخ أنا أتحدث عن الوقت المعاصر، اتحدث عن هؤلاء الشباب سواء كانوا في جنوب لبنان ‌و‌ البقاع الغربي أو كانوا في فلسطين، ‌ما‌ ‌هو‌ الدافع؟ ‌من‌ الذي حول قلبهم الي هذا القلب؟

هناك شعب ينهدم أمام أصغر تهديد، ‌و‌ هناك شعب ينهدم امام حصارعسكري ‌و‌ أمني ‌و‌ اقتصادي أو ‌ما‌ أشبه ذلك، لكن المقاومة في جنوب لبنان عند ‌ما‌ تهدد بالموت فيستشهد المقاومون ‌من‌ أجل أن تبقي ارادتها. هذا الاستشهاد ‌هو‌ دليل علي العزم ‌و‌ الارادة.

نحن ‌لا‌ نذهب ‌و‌ ‌لا‌ يذهب شبابنا الي جنوب لبنان ‌و‌ البقاع الغربي، ‌من‌ أجل أرض ‌و‌ أو شجرة أو ماء ‌و‌ ‌ما‌ أشبه ذلك، ‌و‌ انما يذهب كل هؤلاء ‌من‌ أجل الحق الالهي ‌و‌ العدل الالهي، ‌و‌ يملأ قلبهم عشق الله، ‌من‌ خلال القرآن الكريم ‌و‌ أدعية الصحيفة السجادية للامام السجاد عليه السلام.

ان الصحيفة السجادية اليوم هي التي تصنع هذا الموقف ‌و‌ هذا الموقع المتقدم علي مستوي الأمة، ‌و‌ نقول ‌ان‌ الاسلام الذي استشهد الامام الحسين عليه السلام ‌من‌ أجله، ‌و‌ دعا ‌من‌ أجله الامام السجاد عليه السلام، هذا الاسلام نقيضه الكامل اليوم ‌هو‌ مشروع الصهيونية ‌و‌ التسلط الأمريكي الغربي في العالم، فعلي هذا الأساس الصحيفة السجادية ‌لا‌ تصنع خائنا ‌و‌ ‌لا‌ مهزوما ‌و‌ ‌لا‌ ضعيفا ‌و‌ انما تصنع مجاهدا مقاوما شهيدا في مشروع مواجهة المشروع الصهيوني الأمريكي في هذه الأمة.

و هنا أدلي بكلمة بسيطة ‌و‌ هي أن الدراسات التي تجري في الغرب لفهم ظاهرة الاستشهاد، تتم عندهم بمقاييس غير مقاييس الاسلام، مقاييس مادية ‌و‌ نفعية، لذلك فانهم لن يجدوا الحقيقة، فهم يحاولون أن يفسروا ‌ما‌ يجري في جنوب لبنان ‌و‌ البقاع الغربي، فلا يستطيعون أن يجدوا أي جواب لهذا الأمر، ‌و‌ الذي يستطيعون أن يقولوه ‌ان‌ المقاومة هي ورقة بيد الجمهورية الاسلامية ‌و‌ ورقة بيد سوريا، هذا أكثر ‌ما‌ يستطيعون قوله، ‌و‌ أنا في مقابلهم أقول: ‌ان‌ الجمهورية الاسلامية هي قاعدة كبري ‌و‌ أساسية في مشروع مواجهة الصهيونية في العالم ‌و‌ هي القاعد الكبري في تحقيق العدل الالهي.

المصدر: موقع الامام الخمینی

 

الطقس
مسؤولية ماينشر على عاتق الكاتب

تقع مسؤولية الكتاب على عاتق كتابهم ولا يعني نشره الموافقة على هذه التعليقات.