انتخابات تشریعیة تاریخیة إیرانیة ودعم غیر مشروط لفلسطین
إن انتخابات مجلس الشورى الوشيكة في إيران تقف بمثابة شهادة قوية على قدرة هذه الأمة على الصمود وتفانيها في نموذج الحكم الذي يعكس نسيجها الاجتماعي والسياسي الفريد. وبينما يحول المجتمع العالمي أنظاره نحو هذه الانتخابات، هناك فرصة ذهبية لإعادة تقييم المعتقدات الراسخة حول الديمقراطية والحكم والأدوار المحورية للنساء والشباب في الساحة السياسية. وهي تدعونا إلى تقدير التنوع الغني للممارسات الديمقراطية وأهمية وضعها في سياقها ضمن بيئتها الثقافية والتاريخية المتميزة.
في عصر يتأرجح فيه الخطاب المحيط بالديمقراطية بين الشك والمثالية، خصوصاً بالنسبة لنا نحن الفلسطينيون الذين نعاني من الديمقراطيات الغربية الكاذبة والتي ساهمت وتساهم بقتلنا وتشريدنا كل يوم، تقدم انتخابات مجلس الشورى الإسلامي المقبلة في إيران سردية مقنعة تتحدى التصورات الغربية التقليدية للممارسات الديمقراطية. تقدم الانتخابات، التي من المقرر أن تجري على خلفية التوترات الجيوسياسية والتطلعات الداخلية، منظورًا متعدد الأوجه حول الحكم والتمثيل ومرونة الأمة وسط الضغوط الدولية.
وفي خضم التنافسات الجيوسياسية، يظل موقف إيران بشأن فلسطين يشكل حجر الزاوية في سياستها الخارجية، مما يعكس التزامها بدعم الشعب الفلسطيني المضطهد. ويوضح هذا الدعم الثابت، الذي من المتوقع أن يعززه مجلس الشورى القادم، موقع إيران الجيوسياسي وتحديها للأيديولوجيات والسياسات الغربية. حيث عرقلت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة جميع الدعوات لوقف إطلاق النار في غزة ودعمت هذه الدول الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني. بينما في إيران فإن جميع التصريحات تنصب على دعم الشعب الفلسطيني المظلوم ونصرته لتحقيق قضاياه العادلة. بالطبع هذا الدعم سيزداد خصوصاً بان مجلس الشورى القادم سيدعم القضية الفلسطينية بشكل غير مشروط مثله مثل جميع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية الإيرانية.
إنّ المشهد الانتخابي الإيراني يشهد تحطيم أرقام قياسية وغير مسبوقة من المشاركة، مع ارتفاع ملحوظ في عدد المرشحين المولودين في التسعينيات بنسبة أكثر من ۴۰۰ مرشح. كما أن هذا التحول بين الأجيال يدل على أكثر من مجرد تغيير في البنية الرسمية؛ فهو يجسد الوعي السياسي المزدهر بين الشباب الإيراني. وتؤكد مشاركتهم في هذه الانتخابات على المشهد السياسي الديناميكي حيث لا يتم سماع أصوات الفئة السكانية الأصغر سنا فحسب، بل تلعب هذه الفئات دورا فعالا في تشكيل المستقبل التشريعي للبلاد. ويشير هذا التطور إلى مجتمع يُقّدر ويثمن ضخ وجهات نظر جديدة في خطابه السياسي، ومعالجة القضايا التي تتمحور حول الشباب بقوة وبصيرة لا يمكن أن يقدمها إلا معاصروهم.
ومما يزيد من تحطيم الصور النمطية، هو الزيادة الملحوظة في عدد المرشحات من النساء في انتخابات عام ۲۰۲۴ وهي شهادة على الدور المتطور للمرأة في المجتمع الإيراني. ومع الموافقة على ترشح ۱,۷۱۳ امرأة لشغل مقاعد البرلمان (وهو ما يزيد بثلاثة أضعاف عن انتخابات عام ۲۰۲۰ ويشكل ستة أضعاف عدد مقاعد البرلمان الحالي) فإن هذه الزيادة ليست مجرد إنجاز إحصائي ولكنها انتصار رمزي ضد الروايات الغربية المزيفة حول قمع المرأة أو منعها من الحصول على حقوقها في المجتمعات المسلمة.
إن هذه المشاركة الواسعة للنساء في العملية الانتخابية تتحدى الفكرة الخاطئة المتمثلة في قمعهن، وتعرض بدلاً من ذلك بلدًا تشارك فيه المرأة بنشاط في المجال السياسي، وتساهم في حكم الأمة وفقًا لمبادئ التعاليم الإسلامية. إن هذه التحولات على مستوى دور المرأة الإيرانية يتحدى بشكل واضح الجهود الغربية لتحويل المرأة إلى مجرد سلعة ويسلط الضوء أيضًا على الأدوار المتعددة الأوجه التي تجسدها المرأة في المجتمع الإيراني.إن العملية الانتخابية ذاتها، والتي اتسمت بعدد قياسي من عمليات التسجيل، تجسد حيوية الديمقراطية الإيرانية. ومع تسجيل ۴۸۸۴۷ مرشحاً ونسبة موافقة على أهلية المرشحين بنسبة تبلغ ۷۳٪ من المتوقع أن تكون الانتخابات حدثاً تاريخياً، يعكس مشاركة المواطنين الناشطين سياسياً.
ويؤكد هذا المستوى من المشاركة، الذي لا مثيل له في المنطقة، على شمولية النظام الانتخابي، الذي يستوعب مجموعة متنوعة من الجماعات والتوجهات السياسية. إن وجود مرشحين من خلفيات مهنية مختلفة، بما في ذلك أساتذة الجامعات (۱۱۰۰ شخص) والطاقم الطبي (۲۵۰ شخص) ورجال الدين والمعلمين والخبراء القانونيين، يزيد من إثراء المشهد الانتخابي، ويضمن تمثيلاً شاملاً للمجتمع الإيراني.
ومن الأهمية بمكان أن الانتخابات الإيرانية تسلط الضوء على نموذج للحكم يصر على شرعيته الديمقراطية، رغم اختلافه عن الديمقراطيات الغربية. ويقدم هذا النموذج المتأصل في المبادئ الإسلامية والتقاليد الوطنية منظوراً بديلاً وديمقراطيا حقيقياً، وهو المنظور الذي كثيراً ما يتجاهله المراقبون الغربيون أو يساء فهمه. إن الانتخابات بمثابة تذكير بأن الديمقراطية، بأشكالها المختلفة، يمكن أن تزدهر في ظل أطر ثقافية وأيديولوجية مختلفة.
إن انتخابات مجلس الشورى الوشيكة في إيران تقف بمثابة شهادة قوية على قدرة هذه الأمة على الصمود وتفانيها في نموذج الحكم الذي يعكس نسيجها الاجتماعي والسياسي الفريد. وبينما يحول المجتمع العالمي أنظاره نحو هذه الانتخابات، هناك فرصة ذهبية لإعادة تقييم المعتقدات الراسخة حول الديمقراطية والحكم والأدوار المحورية للنساء والشباب في الساحة السياسية. وهي تدعونا إلى تقدير التنوع الغني للممارسات الديمقراطية وأهمية وضعها في سياقها ضمن بيئتها الثقافية والتاريخية المتميزة.
--------------------
د . حامد ابو العز ، كاتب و باحث سياسي فلسطيني . رأي اليوم ، القسم العربي ، الشؤون الدولية .
مشاهده خبر در جماران